رحلة داخل العباسية: حكايات من قلب مستشفى الأمراض النفسية (مش زي ما تخيلت!)

   
   

      العباسية: كسر وصمة العار عن الصحة النفسية    

 
   
   

المقدمة

   

على مر السنين، ارتبط اسم "مستشفى العباسية للصحة النفسية" بالكثير من المفاهيم والتصورات النمطية، التي غالبًا ما تتغذى على الصورة الدرامية المشوهة في الأفلام والمسلسلات. هذه الصورة الذهنية، التي غالبًا ما تكون بعيدة كل البعد عن الواقع، رسخت وصمة عار حول المرض النفسي والمؤسسات التي تعالجه. ولكن، ماذا لو قلنا لك إن ما تعرفه عن العباسية قد لا يكون الحقيقة كاملة؟ في هذا المقال، سنأخذك في رحلة معمقة داخل أقدم وأهم صرح للصحة النفسية في مصر، لنكشف لك جانبًا آخر من الحكايات التي تدور خلف أسوارها، ونصحح الكثير من الأفكار المسبقة.

 
       
               
   
   

العباسية: تاريخ عريق ودور حيوي

   

تأسست مستشفى العباسية للصحة النفسية عام 1883، أي أن عمرها يتجاوز 140 عامًا، لتصبح بمثابة "الأم" في علاج الكثير من الحالات النفسية والإدمانية، من الأطفال والمراهقين إلى السيدات والرجال. إنها قلعة علاجية تستقبل يوميًا ما يقرب من 250 إلى 300 مريض، ويحتاج منهم حوالي 10 مرضى إلى الحجز. هذا التاريخ الطويل والدور المحوري يؤكدان على أهمية المستشفى كركيزة أساسية في منظومة الرعاية الصحية المصرية، ورغم ذلك، لا يزال الغموض يحيط بها.

 
   
               
   
   

واقع المرضى: بشر يتألمون ويأملون

   

بخلاف الصورة الذهنية السائدة، فإن المرضى داخل مستشفى العباسية هم بشر بكل ما تحمله الكلمة من معنى. إنهم يعانون من آلامهم، لكنهم يظلون أصحاب مشاعر وأحلام. أحد أبرز التحديات التي يواجهونها هي وصمة المرض النفسي، التي لا تؤثر عليهم فحسب، بل تمتد لتطال نظرة المجتمع وحتى بعض الجهات الحكومية للمستشفى نفسها. هذه الوصمة هي السبب الرئيسي وراء تكدس مئات المرضى داخل المستشفى، حيث يرفض أهلهم والمجتمع استلامهم حتى بعد تعافيهم. يقول أحدهم: "قادر على العيشة بره ما بيقدر يشتغل ويتعب طب أنا هطلع من هنا هشتغل فين حالي من فين زي كده مثلا حاله الاجتماعية تعبانه دي بقى مش من إيد الطبيب".

   

لكن على الجانب الآخر، توجد قصص تدمي القلب وأخرى تبعث الأمل. بعض المرضى يجدون في المستشفى "أحن على الناس من أهلهم"، ويجدون فيها الهدوء والراحة التي يفتقدونها في الخارج. المستشفى لا تتوقف عن محاولات إعادة دمج هؤلاء المرضى في المجتمع، من خلال برامج توعية وتأهيل متطورة.

 
   
               
   
   

حياة داخل الأسوار: أنشطة وأمل

   

بعيدًا عن النمطية القديمة للعنابر المكتظة، شهدت مستشفى العباسية تطورًا ملحوظًا. تتنوع غرف الإقامة حسب الدرجة، وتوفر المستشفى بيئة علاجية داعمة. جزء لا يتجزأ من العلاج هو الأنشطة اليومية التي يمارسها المرضى: الرسم، التمثيل، الغناء في المسرح، والأعمال اليدوية كصناعة الإكسسوارات. هذه الأنشطة ليست مجرد تسلية، بل هي جزء أساسي من برامج التأهيل، وتساعد المرضى على التعبير عن أنفسهم واكتشاف قدراتهم. حتى أن هناك قسمًا للعلاج العملي حيث يمكن للمرضى العمل في مجالات فنية، مما يمنحهم شعورًا بالإنتاجية والقيمة.

 
   
               
   
   

صراع العاملين: أبطال في صمت

   

خلف كل قصة نجاح لمريض، يوجد جيش من الأطباء والممرضين والأخصائيين الذين يبذلون قصارى جهدهم. لكن هؤلاء "الأبطال" يواجهون ضغوطًا نفسية وبيئية هائلة. تشير الدراسات إلى وجود علاقة وثيقة بين هذه الضغوط ورضاهم الوظيفي. إنهم يتعاملون مباشرة مع حالات معقدة، ويتعرضون لإرهاق نفسي وبدني مستمر. توصي الأبحاث بضرورة الاهتمام بالمناخ التنظيمي وبيئة العمل لتحسين كفاءة وجودة الخدمة، فدعم هؤلاء العاملين هو دعم لقلب المستشفى النابض.

 
   
               
   
   

الإدمان: رحلة التعافي من منظور العباسية

   

تعتبر مستشفى العباسية منارة أمل لآلاف المدمنين. الإدمان مشكلة مجتمعية متفاقمة، والانتكاسة جزء أساسي من رحلة التعافي. المستشفى تقدم برامج علاجية وتأهيلية متكاملة، تصل مدة بعضها إلى 90 يومًا، لتعليم المرضى الاعتماد على النفس واستبدال العادات السلبية. الأهم من ذلك، أن خدمات علاج الإدمان تُقدم مجاناً من خلال الخط الساخن. شهادات المتعافين من داخل العباسية تؤكد على قوة وفعالية البرامج العلاجية، حيث يقول أحدهم: "المكان ده بجد أقوى مكان علاجي في طب نفسي في أخصائيين اجتماعيين وأخصائيين نفسيين في دعم بجد". إنها ليست مجرد مستشفى، بل هي ملاذ آمن لمن يبحث عن بداية جديدة.

 
   
               
   
   

تحديات التطوير: نداء للمساعدة

   

رغم كل هذه الجهود، لا تزال مستشفى العباسية تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالبنية التحتية والموارد. هناك حاجة ماسة للصيانة، وزيادة الميزانية، وتوفير الخدمات الأساسية. تقليص ميزانية المستشفى وإهمال من وزارة الصحة يؤثران على أعمال التطوير والبنية التحتية، ونقص العمالة. إن العباسية تحتاج إلى دعمكم، سواء من خلال التبرعات أو الوعي بأهمية هذه المؤسسة العريقة. تطويرها هو استثمار في صحة المجتمع بأكمله.

 
   
               
   
   

خدمات تتجاوز العلاج: وحدة الطب المجتمعي

   

ما لا يعرفه الكثيرون هو أن العباسية تقدم خدمات تتجاوز الإقامة داخل المستشفى. لديها عيادة أطفال للطب النفسي، بما في ذلك عيادة متخصصة لمرضى التوحد ("عيادة بيت الشمس"). والأكثر تميزًا هو برنامج "وحدة الطب المجتمعي"، حيث يذهب فريق طبي إلى مكان إقامة المريض لمتابعته بعد خروجه من المستشفى، لتقديم خدمة طبية متكاملة مجاناً. هذا يؤكد على رؤية المستشفى الشاملة للرعاية، والتي لا تتوقف عند حدود البناء.

 
   
               
   
   

بودكاست: دماغك هتشكرني

   

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال