باروخ كوهين: الجاسوس الإسرائيلي الذي خانته هوياته المزورة
المقدمة
في عالم الجاسوسية والاستخبارات، هناك أسماء لم تزل تثير الرعب والدهشة حتى بعد اختفائها. من بين تلك الشخصيات الغامضة، يبرز اسم **باروخ كوهين**، الجاسوس الإسرائيلي الذي تمكن من اختراق المجتمعات العربية والعمل وسطهم لسنوات تحت هويات مزورة، حتى انتهى به المطاف مقتولًا في شوارع مدريد في عملية غامضة لا تزال تفاصيلها محل جدل حتى اليوم. في هذا المقال، سنأخذك في رحلة حقيقية عبر حياة باروخ كوهين، عملياته الاستخباراتية، وأسرار اختفائه.
قصة باروخ كوهين: النشأة والبدايات
وُلد باروخ كوهين في 17 يناير 1936 بمدينة حيفا بفلسطين تحت الانتداب البريطاني. نشأ وسط أسرة يهودية عريقة عاشت في حيفا لخمسة أجيال. والده "حاييم" ووالدته "فيكتوريا"، وله خمسة إخوة، ثلاثة منهم انضموا لمنظمة "الهاجاناه" الصهيونية.
منذ صغره، أتقن اللغة العربية بطلاقة بفضل تنشئته المختلطة، مما جعله مرشحًا مثاليًا لاحقًا للمهام الاستخباراتية. التحق بـ"كيبوتس عين حرود" ثم وحدة "ناحال" العسكرية، قبل أن ينضم إلى الجيش الإسرائيلي عام 1958.
التحاقه بجهاز الموساد
في عام 1964، انضم باروخ كوهين رسميًا إلى جهاز **الموساد** الإسرائيلي بعد تجربة قصيرة مع جهاز الأمن الداخلي "شين بيت". استثمرت إسرائيل في تدريبه نظرًا لإجادته للغة العربية وقدرته على التمثيل والتخفي، وتم زرعه وسط المجتمعات العربية تحت هويات مزورة.
أشهر عمليات باروخ كوهين بالتفصيل
عملية "سيف الظل" — 1965
استهدفت تاجر السلاح الفلسطيني سامي عبد الرازق في بيروت. استغل باروخ هويته المزورة "أمين شحادة" للاندساس في تجارة السلاح، ليكشف مستودعات سرية في البقاع اللبناني تم قصفها لاحقًا.
عملية "العنكبوت" — 1967
نجح كوهين في عمان بتجنيد الرائد أنور خماش، ضابط الاستخبارات الأردني، والحصول على خرائط عسكرية بالغة الأهمية استخدمتها إسرائيل في حرب 1967.
عملية "شبح دمشق" — 1968-1969
اختراق سلاح الجو السوري في دمشق عبر علاقة بصديق طبيب يُدعى فواز الحمصي. نجح بالحصول على معلومات سرية عن مخازن طائرات الميغ 21.
عملية "الميناء الأسود" — 1971
انتحل شخصية "ربيع المصري" لاختراق شبكة خالد شاهين الفدائية في بيروت، وحدد مخازن أسلحة استُهدفت لاحقًا بغارة جوية.
عملية "ثعلب القارات" — 1973
نسّق مع عميلة الموساد ريتا ليفي في أثينا، لاغتيال القيادي الفلسطيني صلاح الدين الزهيري بسيارة مفخخة.
عملية "نقطة اللاعودة" — 1974
مهمته الأخيرة، زرع جهاز تصنّت بمكتب كمال خوري، قائد الجبهة الشعبية في بيروت. فقد الاتصال به بعد التنفيذ ولم يظهر مجددًا.
حياته الشخصية وسط العمل السري
رغم حياته المليئة بالمخاطر، كان باروخ كوهين متزوجًا مرتين؛ الأولى من داليا بن شاحار، وأنجب منها ولديه شاؤول وإيليعازر. ثم تزوج من ناعومي ليفي، والتي قيل إنها ساعدته في بعض مهامه السرية.
كان كوهين يبعث برسائل مشفرة لعائلته من الخارج عبر مكاتب بريد سرية في لندن.
نهاية باروخ كوهين الغامضة
في يناير 1973، وبينما كان في مدريد يلتقي بعميل فلسطيني يُدعى **سامير مايد أحمد** — عميل مزدوج تابع لمنظمة أيلول الأسود — أطلق عليه رجلان الرصاص فأردوه قتيلًا.
نُقل إلى المستشفى باسم "موشي حنان يشاي"، قبل أن تُكشف هويته لاحقًا. أعلنت منظمة **أيلول الأسود** مسؤوليتها عن اغتياله.
أسباب بقاء قصته مثيرة حتى اليوم
لا تزال نهاية باروخ كوهين تثير التساؤلات:
- هل قُتل انتقامًا لعملية "غضب الله"؟
- هل خانه عملاء مزدوجون؟
- هل قُتل بمؤامرة داخلية من الموساد؟
تقارير لاحقة أفادت بأن القاتل سامير فُرّ إلى تونس ولم يُنفّذ فيه أي انتقام.
دلائل وبراهين حول عملياته
- تم العثور على وثائق استخباراتية تُثبت وجوده في بيروت ودمشق.
- تقرير رسمي من وزارة الداخلية الإسبانية عن مقتله في مدريد.
- شهادات لعناصر من "الجبهة الشعبية" و"فتح" أكدت وجوده بهويات مزورة.
خاتمة
تظل قصة باروخ كوهين واحدة من أكثر القصص غموضًا في عالم الجاسوسية. شخص عاش بين العرب بوجوه مختلفة، ونفّذ عمليات معقدة تركت أثرها في صراعات الشرق الأوسط.
قصة هذا الجاسوس لم تكن مجرد مغامرة، بل فصلًا مؤلمًا من فصول صراع استخباراتي بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية.