رواية "السكرية"، الجزء الثالث والأخير من ثلاثية نجيب محفوظ الحائزة على جائزة نوبل، تُختتم بها رحلة عائلة عبد الجواد عبر عقود من التحولات الجذرية في مصر. تدور أحداثها في أربعينيات القرن العشرين، حيثُ تتصادم أحلام الثورة مع واقع التبعية، لترسم صورةً مُعقدة لمجتمعٍ على أعتاب تغييرٍ مصيري. في هذا المقال، سنحلل كيف تُجسِّد الرواية أزمات الهوية والانتماء في ظل تحولات تاريخية، مع تسليط الضوء على الرموز الأدبية التي جعلت منها أيقونةً في الأدب العالمي.
1. السياق التاريخي: مصر على أعتاب ثورة 1952
تعكس "السكرية" تحولات المجتمع المصري قبيل ثورة يوليو، حيث تتصاعد الاحتجاجات ضد الملكية والاحتلال البريطاني. شخصيات مثل "عبد المنعم" (الحفيد الثوري) و"أحمد" (الحفيد المتشكك) تُمثِّل انقسام جيل الشباب بين الإيمان بالاشتراكية وخيبة الأمل في النخبة.
اقتباس من الرواية:
"الثورة لا تُصنع بالشعارات، بل بدماء من نسيهم التاريخ".
هذا الاقتباس يُلخِّص إحباط جيلٍ رأى أحلام أجداده تتحول إلى سراب.
2. تفكك الأسرة: مرآة لتفكك المجتمع
بينما يموت السيد أحمد، رمز السلطة البطريركية، تتفكك عائلة عبد الجواد كرمز لانهيار النظام الاجتماعي القديم. شخصية أمينة، التي عاشت في ظل القمع، تتحول إلى شبحٍ للماضي، بينما تُكافح البنات للخروج من دائرة التهميش.
اقتباس من الرواية:
"البيت الذي كان يحمينا صار قبورًا ندفن فيه أحلامنا".
هذا يعكس تحوُّل المنزل من ملجأ إلى سجن للذاكرة.
3. الأسلوب الأدبي: الواقعية الرمزية وتعدد الأصوات
يُبرز محفوظ في "السكرية" تعدد الأصوات السردية، حيثُ تتداخل وجهات نظر الشخصيات لتعكس تناقضات الواقع. استخدام الرموز مثل "السكرية" (الحي الذي يُجسِّد الحلو والمر في الحياة) و"النيل" (الرمز الأبدي للاستمرارية) يخلق طبقاتٍ دلالية عميقة.
اقتباس من الرواية:
"النهر لا يتغير، لكننا نغرق في مياهه مرتين: مرة بالحياة، ومرة بالموت".
هذا يعكس فلسفة محفوظ عن ثبات المكان وزوال الإنسان.
4. الرسائل السياسية: بين الثورة والانكسار
تطرح الرواية تساؤلاتٍ جريئة عن جدوى الثورة في مجتمعٍ تغلب عليه الفوضى. مقارنةً بـ"بين القصرين"، حيثُ كانت الأحلام واضحة، تظهر "السكرية" جيلًا يعاني من الاغتراب الداخلي، كناية عن أزمة الهوية العربية الحديثة.
خاتمة
"السكرية" ليست نهاية ثلاثية، بل بدايةٌ لأسئلةٍ وجودية تخصُّ الإنسان العربي. عبر شخصياتٍ تحمل جراح الماضي وتخاف من المستقبل، يقدّم محفوظ نقدًا لفكرة التقدُّم ذاتها. الرواية تظل مرآةً لعصرٍ لم ينتهِ بعد، حيثُ لا تزال الصراعات بين الأصالة والحداثة تُهيمن على الواقع العربي.
المصادر والمراجع
# | المرجع |
---|---|
1 | كتاب "السكرية" – نجيب محفوظ |
2 | دراسة "الرمزية في ثلاثية نجيب محفوظ" – د. غالي شكري |
3 | مقال "الثورة والهوية في أدب محفوظ" – مجلة الدوحة الثقافية |
4 | كتاب "الرواية العربية والتحولات السياسية" – د. عبد المحسن طه بدر |