يُصنف كتاب "تاريخ الأمم والملوك" للمؤرخ الطبري (ت. 310 هـ) كواحد من أعظم الموسوعات التاريخية في التراث الإسلامي، حيث يُغطي تاريخ البشرية منذ الخليقة حتى القرن الثالث الهجري. يجمع الكتاب بين السرد التاريخي الدقيق والتحليل السياسي، مما جعله مرجعاً أساسياً لفهم صراعات الخلافة الإسلامية وتطور الحضارات. في هذا المقال، نستعرض أبرز محاور الكتاب، وقيمته العلمية، وأسباب بقائه مصدر إلهام للباحثين حتى اليوم.

الجزء الأول: الطبري... شيخ المؤرخين وصاحب الإرث الخالد

الطبري، الملقب بـ"إمام المفسرين والمؤرخين"، هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، عاش في العصر العباسي وشهد ازدهار العلوم الإسلامية. لم يقتصر إنتاجه على التاريخ، بل ألّف في التفسير والفقه، لكن كتاب "تاريخ الأمم والملوك" (المعروف أيضاً ب"تاريخ الطبري") يُعد تحفته التي جمع فيها روايات المؤرخين القدماء والشعراء والرحالة، مُتبعاً منهجاً نقدياً لتمييز الصحيح من الضعيف.

"ابتدأ الله خَلقَ السماوات والأرض، وكان عرشه على الماء، فخلق الريحَ أرساها على الماء، ثم خلق السموات والأرض في ستة أيام."

الجزء الثاني: محتوى الكتاب... رحلة عبر الزمن

قسّم الطبري كتابه إلى ثلاثة أقسام رئيسية:

1. تاريخ ما قبل الإسلام: بدءاً من قصص الأنبياء، مثل آدم ونوح وإبراهيم، وصولاً إلى حضارات الفرس والروم.

2. السيرة النبوية: تفاصيل حياة النبي محمد ﷺ، مع ذكر غزواته والتحالفات السياسية.

3. التاريخ الإسلامي: تطور الخلافة من الراشدين إلى العباسيين، مع تسليط الضوء على معارك الفتنة الكبرى وثورات الخوارج.

تميّز الكتاب بذكر التواريخ السنوية للأحداث، وتحليل الأسباب الاقتصادية خلف الحروب، مثل دور موارد الدولة في صراعات العباسيين والأمويين.

"لما استُخلف أبو بكر الصديق، أول عملٍ قام به حربُ المرتدين، إذ ارتدت العرب إلا قريشاً والأنصار."

الجزء الثالث: الأهمية العلمية ومقارنة مع كتب التاريخ الأخرى

يُعتبر كتاب الطبري أول عملٍ منهجي يجمع بين التاريخ الديني والسياسي، وقد اعتمد عليه مؤرخون لاحقون مثل ابن الأثير والمسعودي. ومن أبرز مميزاته:

- الاعتماد على الإسناد: ذكر رواة كل حدث، مما أعطى مصداقيةً للكتاب.

- الموضوعية النسبية: عرض آراء الفرق الإسلامية دون تحيز.

- التفاصيل الدقيقة: مثل أعداد الجنود في معركة صفين أو خراج الأراضي الزراعية.

النقطة تاريخ الأمم والملوك تاريخ ابن خلدون
الفترة الزمنية من الخليقة إلى 302 هـ يركز على العصور الوسطى
المنهج سردي مع إسناد تحليلي فلسفي
المصادر روايات شفهية ومكتوبة ملاحظات شخصية
"لم تكن فتنةٌ في الإسلام أعظم من مقتل عثمان، إذ اختلفت الأمة وتباينت المذاهب."
تحميل كتاب تاريخ الأمم والملوك

خاتمة

لا يزال كتاب "تاريخ الأمم والملوك" للطبري عموداً رئيسياً في دراسة التاريخ الإسلامي، فهو ليس سجلاً للأحداث فحسب، بل مرآةً لعقلية العصر العباسي ومنهجية البحث التاريخي. يُنصح به لكل باحثٍ في العلوم الإنسانية، خاصةً مع إعادة طبعاته الحديثة التي سهّلت الوصول إلى محتواه الثري. إنه كتابٌ يُثبت أن التاريخ ليس ماضياً ميتاً، بل مفتاحاً لفهم الحاضر.

المصادر والمراجع

# المصدر
1 الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، كتاب تاريخ الأمم والملوك.
2 الشاكر، محمود، موسوعة التاريخ الإسلامي.
3 لويس، برنارد، تاريخ الشرق الأوسط.
4 مقالة: "المنهج النقدي في كتابات الطبري"، مجلة التراث العربي.
5 كتاب "الطبري ومكانته في علم التاريخ" لعلي الصلابي.